الفصل الرابع: نظرية الثقافة الاجتماعية


الفصل الرابع: نظرية الثقافة الاجتماعية

تتميز نظرية الثقافة الاجتماعية بأنها تعتمد على التفاعل الاجتماعي والتواصل من خلال مراقبة وتحليل سلوك فرق العمل في مجال التعلم والتعليم.
ومن أهم رواد نظرية الثقافة الاجتماعية هو فيغوتسكي Vygotsky (1926) وهو عالم نفس روسي الأصل والذي كان له تأثير كبير على علماء نفس آخرين في الولايات المتحدة مثل Lave (1988) , Wretsch (1985 )
وبينما كان Piaget وهو من أهم رواد نظرية بناء المعرفة الذاتية يركز على دور الخبرة وتفاعل الطفل بما يدور حوله من خبرات ومعرفة وأهمية ذلك وعلاقته مع المعرفة والخبرة الجديدة المكتسبة وتطابقها من خلال عملية البحث والمقارنة لإيجاد تشابه وتطابق, كان Vygotsky يركز على اللغة كعنصر مهم للتفاعل الاجتماعي بين الطفل وغيره من الأطفال أو بين الطفل والمعلم.
والعوامل المهمة في نظرية الثقافة الاجتماعية هي التطور الاجتماعي من خلال
التفاعل الاجتماعي
الانضباط الذاتي
منطقة التطور الأدنى
التداخل
تثبيت البناء

ويعتبر الباحثون المنتمون إلى تأييد نظرية الثقافة الاجتماعية بان المعرفة المشتركة هي ركيزة أساسية لعملية التفاعل الاجتماعي. فالطفل الذي بمعرفته السابقة عن موضوع ما يكون مصدر معرفة للطفل الآخر . كما أن المعرفة المشتركة هي استثارة لأفكار ومناقشات ضمن فريق يضم أطفال يعملون ويتفاعلون بهذه الأفكار والمناقشات.
إن في أي وضع تعليمي يتطلب حل مسألة ما ، غالبا ما يكون للعمل الجماعي فعالية حيث ان فريق العمل يجمع بينهم هدف واحد وهو الوصول الى حل للمسألة ، ويكون حل المسألة بفاعلية هو حصيلة جهد فردي لحل المسألة وعمل تعاوني لحل المسألة مع مراقبة بسيطة من قبل المعلم أو من قبل طلبة اكثر أهلية أو معرفة.
وهذا ما يعرف ب "منطقة التطور الأدنى" , Zone of Proximal Development
وعندما يتكون الإدراك والمعرفة من خلال توجيه الأسئلة بين الطلبة مع بعضهم البعض للبحث عن برهان والنظر إلى المسألة من منطلق آخر، وعندما يكون هناك تفاعل اجتماعي ومناقشة لمضمون المسائل, تكون الإجابات عن الأسئلة المطروحة والخطة الاستراتيجية ضمن نشاطات الطلبة أساس مهم للتطور الإدراكي
وهذه الطريقة في حل المسائل شبيهة بنظرية بناء المعرفة الذاتية من حيث توجيه أسئلة مفتوحة ليست محصورة بنعم أو لا ولكن تحث فيها الطلبة على البحث والمناقشة والاستكشاف وهذا يخلق تطور ا إدراكيا أيضا .
ويضع المنتمون إلى نظرية الثقافة الاجتماعية أهمية للتفاعل الاجتماعي والعمل التعاوني بين الطلبة لأنهم بذلك يحققون قدرات فكرية عليا مما يشجع التطور الإدراكى.

التعليم الجماعي أو التعاوني
يكون من خلال انقسام الطلاب إلى مجموعات صغيرة بحيث يتم تبادل المعرفة العامة بينهم وتبادل الأفكار والخبرات المختلفة .ويعمل كل فريق على حدا بهدف التوصل إلى غاية محددة وتكون الأدوار موزعة ومتبادلة و أحيانا يكون هناك قائد على رأس كل فريق.
ويبدأ العمل التعاوني بحيث يكون هناك مساندة من قبل الطالب الذي يأخذ دور المراقبة حتى يتمكن الطلبة أن يعملوا ضمن فريق واحد في هدف حل مسألة ما أو القيام بعمل ما سويا، ليكونوا بعدئذ على مقدرة من حل المسألة بمفردهم . وعندما يتمكن الطلبة من القيام بأدوارهم بمهارة ، يمكنهم تبادل الأدوار ، ويأخذ دور الطالب المعلم ، أي الطالب الذي يقوم بعمل التدريس والشرح . ومن ثم يمكنهم التوجه نحو الانفرادية. 
كذلك ، يكون العمل التعاوني بين طلبة على استطاعة ومقدرة من حل المسألة وبين طلبة ليسوا على نفس المقدرة والإمكانية من حلها على حدى ، يكون ذلك في صالح الطلبة غير المتمكنين والطلبة المتمكنين أيضا . وذلك يكون عندما يتفاعل الطلبة غير المتمكنين ويعملون بشكل تعاوني مع الطلبة المتمكنين فيصلون بالتالى إلى مرحلة الاستعداد والمقدرة لأنهم يصلون بتدرج إلى مهارات تمكنهم من اخذ دور المتمكن 
أما بالنسبة للطلبة المتمكنين ، فيعتبر العمل التعاوني أيضا في صالحهم لأنهم من خلال تعليمهم وشرحهم للطلبة الغير متمكنين ، باستطاعتهم أن يشكلوا تطورا إدراكيا ويصلون إلى مرحلة تمكنهم من استخدام قدرات التفكير العليا . لذلك ، يكون العمل التعاوني بمثابة تبادل معرفة مشتركة وخبرات تمت باشراف طلبة ماهرين قد يصلوا إلى معرفة وتطور لا يكون ممكنا دون ذلك التعاون.
وتعتبر اللغة عاملا هاما في عملية العمل التعاوني لأنها أداة نقل للمعرفة وأنها وسيلة لمعرفة المعالجة الفكرية. كذلك, تظهر أهمية اللغة في نظرية الثقافة الاجتماعية وانعكاس ذلك على التفكير . وذلك لان اللغة التي يكتسبها الطفل ممن حوله تكون مصدر لفهم المعنى للكلمات وتكون بذلك أداة فكر. ويكون مصدر اللغة من الخارج حتى يصبح نشاطا فكريا فرديا والتي يتم تمثيلها من خلال المحادثة الداخلية.


ويظهر التطور الثقافي لدى الطفل مرتين ، الأولى من خلال المستوى الاجتماعي . والثانية من خلال المستوى الفردي . أي : أولا من خلال المجتمع ، وثانيا من خلال الطفل نفسه.
وعندما تتداخل اللغة تنتج ما يعرف بالانضباط الذاتي Self-Regulation وهو عنصر هام للوصول إلى مرحلة النضج الفكري ، وهي تتكون من مراحل هي

  • الإخبار والإبلاغ

  •  التخطيط

  •  التشخيص

  •  التقييم

  •  التأقلم
     

 

إن المحادثة الذاتية تشكل عنصرا هاما في الانضباط الذاتي ، ومثال على الانضباط الذاتي "عندما يقوم الأطفال لإنجاز مهمة ما ، وعندما يكتشف أحد الأطفال انه ليس لديه قلم ازرق ليكمل تكوين الرسمة فيقول : أين القلم ؟ احتاج قلما ازرق . لا بأس ، سأرسم بالقلم الأحمر وأضع الماء عليه ثم يصبح غامق اللون ويظهر وكأنه ازرق" ) ( Vygotsky 1926 ,P.17 , (Wood , 1988 , p. 28).
وهذا يدل على أن الطفل استطاع أن يستخدم قدرات التفكير العليا مما يجعله على مقدرة للتخطيط والتقييم ، للحفظ والتحليل .

أما بالنسبة إلى عامل التداخل Internalization فيكون عندما يقوم الطالب من خلال العمل التعاوني بتجهيز الاستراتيجيات والأهداف من اجل حل المسألة ويقوم باستخدام اللغة خلال النشاط التعاوني من اجل الوصول إلى حل للمسألة .
ويعتقد Vygotsky بان المضمون الاجتماعي والمكاني ممكن أن يكون له تأثير على المعالجة الفكرية للفرد من خلال " التداخل " لوظائف الفكر العليا مثل الذاكرة والانتباه والتفكير . " والتداخل " هو تحول النشاط من نشاط خارجي إلى نشاط داخلي .
وهو تعبير على أن العمل يبدأ من الخارج ويكون اكتساب للمعرفة من الغير ومن ثم يتداخل ويصبح داخل الفرد وحينئذ يستطيع الطالب العمل بمفرده لأنه يصبح على استعداد للانفرادية .
لذلك, يكون التنوع في الخبرة الاجتماعية هي وسيلة لتشكيل ما يستطيع الطالب أن يتداخله أي يفهمه ، مما يؤثر تأثيرا إيجابيا على العمل الفردي ويخلق تطورا إدراكيا لدى الطالب .


طريقة حل المسائل من خلال نظرية الثقافة الاجتماعية :

تتم عملية حل المسائل بشكل جماعي تعاوني .
يقوم المعلم بدور" تثبيت البناء " Scaffolding ، وهو تعبير مجازي ويكون نموذج للمعلم بشكل غير رسمي , بحيث يمد المساعدة عندما يقوم الطالب بتنفيذ خطوات المهمة ويقوم بالأدوار التالية:

  •  دور المراقبة

  •  دور التوجيه والإرشاد

  •  دور النصح والتصحيح

  •  دور القيام بالخطوات المطلوبة لإنجاز المهمة
     

وتكون مهمات مثبت البناء كالتالي :
1. مساندة الطالب
2. يأخذ دور الأداة المساعدة
3. يساعد الطالب في إنهاء مهمة لا يمكن إنجازها بنفسه
4. يساعد الطالب عند الحاجة
وتكون المساعد المستمدة للطالب من قبل المعلم الذي يقوم بدور المراقبة بمثابة مساندة للطلبة الذين يعملون بشكل جماعي لحل المسائل معا حتى يتمكن بعد ذلك كل منهم حل المسائل بشكل انفرادي .
وعندما يحترف بعض الطلبة الدور الذين يقومون به ، يكونوا باستطاعتهم بعد ذلك اخذ دور المعلم للطلبة الآخرين .
وحينئذ يستطيع الطالب أن ينتقل إلى الاستقلالية في العمل على حل المسائل بمفرده. وهكذا, من خلال تبادل الأدوار يمكن الحصول على خبرات اجتماعية غنية متبادلة مما يكون لها الأثر على الإنتاج الفردي .
ويكون للاختلاف والتنوع في نوعية التفاعل الاجتماعي والخبرات الاجتماعية الأثر في تكوين ما يمكن للطالب أن يستمده داخليا وبشكل فردي مما يؤثر على التنويع الفردي .
مثال على عمل تعاوني لحل مسألة رياضية أو علمية أو غير ذلك هو في أخذ الطلبة الأدوار التالية:

  •  دور المراقب وهو يقوم بتدوين أفكار الفريق .

  •  دور المشجع وهو يقوم بتشجيع الفريق والمبادرة بالمشاركة وللعمل سويا.

  •  دور المسجل وهو يقوم بتدوين عمل الفريق

  •  دور المصحح وهو يسأل أفراد الفريق ليشرحوا أفكارهم ، أو ممكن أن يسأل من هم خارج الفريق إذا لم يكونوا متفقين .

  •  دور مدير المواد وهو يحضر المواد التي يحتاج لها الفريق ويقوم بإعادتها في نهاية الحصة الدراسية .

     



أمور تساعد على العمل التعاوني :

  •  أدع كل فرد من أفراد الفريق للعمل وحث كل فرد على المشاركة .

  •  تأكد من كون الفريق يعمل لإنجاز الهدف المطلوب .

  •  تأكد من أن أفراد الفريق على فهم للمهمة المطلوبة أو المسألة المطلوب حلها
    وأعط الفرصة لكل فرد للتعبير عن فهمه لها بكلماته الخاصة ، وذكر الخطوات
    بخلاصة أو إعطاء أمثلة لها .

  •  اعمل كعضو في فريق. إذا كنت قد فهمت المطلوب ، قم بمساعدة الغير. لا تعمل بطريقة تسابقيه أي تسابق الغير في الإنجاز أو القيام بالمهمة المطلوبة.

  •  كن طالبا يقوم بدور المعلم . أعط مسألة مشابهة أو مسائل سهلة شبيهة لكي تساعد غيرك على الفهم .

  •  عندما تكون غير متأكد , أسال أحدا من فريقك للمساعدة ، أو اذكر أنك لم تفهم المطلوب .

  •  اخبر أحدا ضمن الفريق أن يذكروا شيئا قد يساعدك .

  •  لا تقوم بعملية القرار من خلال التصويت ، حاول أن تفهم ما الذي ممكن أن يكون افضل حل ولماذا .

  •  تأكد انك تستطيع أن لا تتفق عندما تكون غير موافق .
     

مثال على التعليم التعاوني :
ان حل المسائل بشكل تعاوني في المواد المختلفة ومنها مادة الرياضيات والبحث عن أنماط معينة في طرق الحل وتطبيق طرق متعددة ، يساعد على الاكتشاف الجماعي لحل المسائل .

مثلا : عند حل مسألة رياضية في المرحلة الابتدائية الدنيا .
صاحب مكتبة يريد أن يتأكد من عدد الكتب المتواجدة على رف معين ، من هذه الكتب الثمانية ، ثلاث كتب قديمة . كم عدد الكتب الجديدة ؟
تقسم أدوار كل فرد من ضمن المجموعة ، بحيث يأخذ كل فرد مسؤولية أثناء حل المسألة ، فيأخذ اثنان دور التفهم واثنين دور التخطيط والبحث عن حل ، ويأخذ قائد المجموعة دور التصحيح والمراجعة .



التعليم الانتقالي :
هو انتقال التعليم أو التدريب وتأثير ما قد تعلمه الشخص من عادات ومهارات وأفكار وما اكتسبه من أساليب ومواقف في تعلم شيء جديد وممارسة مهارة جديدة . وانتقال اثر التعليم أو التدريب يكون إيجابيا في حال تسهيل التعلم وسلبيا لدى إعاقته . وهو مجال يخضع لكثير من الخلاف والجدل .
إن الأبحاث التي تقول بان التفوق والمهارة في حل المسائل تعود إلى التفكير التعليلي باتت تستبدل بنظرية أخرى وهي إن مهارة حل المسائل تعتمد على التجارب العديدة التي يخوضها الشخص والتي بعدها يصبح على مقدرة افضل لمواجهة المسائل الصعبة وحلها ويكون ذلك من خلال ربط تجربة جديدة بمواقف مشابهة تعرض لها في السابق .
إن الطلبة البنين في اليابان ، يتعلمون في المدارس فن الحياكة والخياطة لاعتقادهم بأنهم من الممكن لهؤلاء الطلبة أن يحتاجوا لهذه المهارة في تعلم شيء جديد أو مهارة جديدة في المستقبل. فتعلم الطفل لمهارة ما من خلال الفعل والتجربة قد يساعده في نقل هذا العلم أو التجربة وربطه بعلم وتجربة قد يتعرض لها في المستقبل .
ومن خلال عمل مقارنة بين المواقف التي تتطلب تعليم " انتقاليا" والمواقف التي تتطلب تعليما" إدراكيا" ، يؤكد أندرسون (1985 )Anderson وهو عالم نفس متخصص بعلم النفس الادراكي Cognitive Psychologyوالذي يولي اهتماما كبيرا بحل المسائل من خلال المعرفة الاجرائية التي سيتم عرضها وشرحها في فصل لاحق, يؤكد Andersonأن هناك تأثيرا" للتعليم الانتقالي في مجالين : أولا مجال حل المسائل وثانيا مجال التفاعل الاجتماعي .
ومن الممكن تطبيق نظرية( Anderson (1985المعروفة بالمعرفة الإجرائية على مواقف حل المسائل للتأثير على انتقال المعرفة من مجال إلى مجال آخر. ومثال على ذلك ، وجود نوع من انتقال المعرفة بين برنامج Prolog وبين الرياضيات .
ومن جهة أخرى, فيؤكد Anderson بان التفاعل الاجتماعي له اثر على انتقال المعرفة لذلك يلعب التفاعل الاجتماعي دورا كبيرا في انتقال التعليم .
كما أن هناك أهمية لربط عملية شرح المادة التعليمية بعمل حسي فيكون التعليم من خلال العمل لان عرض المادة وممارسة التعليم لهما الأثر الكبير في انتقال المعرفة من مجال إلى مجال آخر . والاهم من ذلك ، هو ربط المادة التعليمية بما هو مستمد من واقع الحياة ، أو بما هو مطلوب من الطالب لتطبيق المادة التعليمية على رأس العمل في الحياة العملية .
 

     
open all titles close all titles  

الكشافـــة

open / close tile

السياحة في السعودية

open / close tile

الأسرة وبرمجة التفكير الإيجابي

open / close tile

مهارة تعليم التعلم

open / close tile

موضوعات متعلقة

open / close tile
حقوق النشر محفوظة  -  Copyright  2008 RightToEducate. All Rights Reserved