الجزء الأول: الكمبيوتر وتطوير التفكير الإبداعي لدى الطفل


الجزء الأول: الكمبيوتر وتطوير التفكير الإبداعي لدى الطفل

الفصل الثاني- الدماغ البشري ومعالجة التفكير

بعد أن عرّفنا أساسيات الكمبيوتر وكيف تتم معالجة البيانات التي يتم إدخالها في الكمبيوتر ليُستخرج من هذه البيانات نتائج معينة، ننتقل لنعرِّف الدماغ البشري ونشرح كيف تتم معالجة التفكير عند الإنسان.

1- تعريف الدماغ
يزن الدماغ البشري حوالي ثلاثة أرطال ونصف، ويتكون من مادة مجعدة رمادية اللون ويحتوي على عشر بلايين من الخلايا العصبية Neurons.

إن الدماغ هو الوسيلة لإستلام جميع الإدخالات (Input) من أجزاء الجسد المختلفة، ومن العالم الخارجي. وهو أيضا الوسيلة لنقل الرسائل إلى الجسم. هذه الرسائل تؤثر على وظائف كثيرة من التنسيق، التعلم، الذاكرة، العاطفة، والتفكير. وبناء على موسوعة مايو كلينك الطبية Mayo Clinic Encyclopedia، نعلم بأن الدماغ يتكون من حوالي 100 بليون عصب Neurons ومن الخلايا المساندة مما يصل الى 3 أرطال من الأنسجة تقريبا. إن هذه الشبكة الكثيفة من الأعصاب المتصلة الإرسالية Transmitting Neurons هي منظمة بشكل ترسل فيه جميع الإشارات التحكمية والضرورية للقيام بأي نشاط كان. يتكون هذا الجهاز الإرسالي من:
1. المخ Cerebrum
2. جذع الدماغ The Brainstem
3. المخيخ The cerebellum
4. النخاع الشوكي The spinal cord




 


والدماغ يحتوي على جزئين هامين هما: المخ والمخيخ The cerebrum and the cerebellum

1) يحتوي الأول أي المخ Cerebrum على الدماغ النصفي Cerebral Hemispheres ويقوم بالوظائف الشعورية Conscious مثل الكلام، الذاكرة، الرؤية. وبصورة عامة، يكون التحكم بالعضلات في النصف الأيمن من الجسد، من خلال النصف الأيسر من الدماغ Left Hemisphere. ويكون التحكم بالعضلات في النصف الأيسر من الجسد، من خلال النصف الأيمن من الدماغ Right Hemisphere.

أما جذع الدماغ Brain Stem فهو الجذع الذي يرتكز عليه الدماغ.

2) أما بالنسبة الى الجزء الآخر الرئيسي من الدماغ وهو المخيخ Cerebellum فهو يساعد على التحكم بعملية التنسيق، الموازنة، ووظائف أخرى لا يكون الإنسان على وعي وإدراك بها.

أما النخاع الشوكي Spinal Cord فهو بمثابة شبكة تحكم مركزية تنقل الإشارات من الدماغ الى أبعد نقطة في الحد الخارجي من الجهاز العصبي Peripheral nervous system. إن الجهاز العصبي يتحكم بالنشاطات اللاواعية ولكن المهمة، مثل توزيع تدفق الدم، تنظيم ضغط الدم، دقات القلب، التعرق، وحرارة الجسد. جميع هذه النشاطات تتم من دون أن يكون هناك وعي بها.

خلايا المخ العصبية:
يقول العالم الأمريكي جيرالد اولمان: "إننا قد ولدنا بعدد هائل من الخلايا العصبية داخل المخ. وهذه الخلايا هي أشبه بالمشغلات الدقيقة الفردية، فهي تستقبل وترسل إشارات معقدة، وتستخدم دفعات كهربائية وموصلات كيميائية متناسقة تنظم نفسها في مجموعات لتشكيل خرائط تستجيب لخبرتنا".

لقد قدر الباحثون النفسيون أن الدماغ او الجهاز العصبي يحتوى على البلايين من خلايا الأعصاب وكل خلية قادرة على تخزين بين 1-2 مليون قطعة من المعلومات. "إلا أن الحقائق المؤكدة كثيرة وكلها تشير الى قدرة الدماغ الهائلة على التحكم المذهل بالجسم والى الإمكانات غير المحدودة التي تخفيها المكونات المخ والتي لم يستطع العلم حتى الآن أن يلقي الضوء على أسرارها الخفية".

أما بالنسبة الى المشاكل أو الإعاقات التي من الممكن أن تصيب الجهاز العصبي فمنها المشاكل التي تحدث في العملية الفكرية Mental Processing وتدعى بعملية إضطراب الإدراك أو المعرفة Cognitive Disorder مثل تركيز الإنتباه او تفسير الكلمات المكتوبة، وهي تستطيع أن تؤثر على عملية التعلم.

إن مقدرة الطفل على التعلم تعتمد على العملية الفكرية Mental Process والتي بها يكون التعلم ممكنا. فمشاكل أو إعاقات التعلم ممكن أن تشمل مشاكل التذكر او الإستذكار، فهم الأشكال، التركيز على الإنتباه، الكتابة، المحادثة وتفسير الكلمات المكتوبة. فمن الممكن أن يكون لدى طفلك مشكلة تعيقه عن التعلم، مثلا في كونه يحتاج مساعدة في أن يتعلم كيف يتعلم Learning how to learn . وهناك إعاقات كثيرة قد تتدخل في عملية الإدراك أو المعرفة أي التعلم Cognitive Disorder التي ممكن أن يواجهها الطفل ويكون بذلك في حاجة للتعليم الخاص Special Education للتغلب على هذه الإعاقات، مثلا:

- إعاقات هامة في الكلام، الكتابة، الهجاء او الرياضيات.
- عدم المقدرة على الإصغاء، القراءة أو تنظيم الأفكار.
- إندفاع مزمن Chronic Impulsiveness التململ Restlessness، الإلهاء أو الذهول Distractibility.

هذه إعاقات في العملية الفكرية Mental Processing التي من خلالها يتم التعبير عن المعرفة Cognition. كما أن الطفل الذي يعاني من إعاقة تعليمية لا يمكنه أن يفهم الأنماط كلية patterns، أو أن يتذكر ما قيل، وأن يكتب بوضوح، وأن ينسخ رسم، أو أن يربط ذهنيا كتابة مطبوعة مع كلمات ملفوظة، أو أن يفسر كلمات مكتوبة أو أن يتكلم بترابط. والجدير بالذكر أن هذه الإعاقات جميعها لها علاقة بإستخدام الطفل أو فهمه اللغة ورموزها.

وإذا تمعّنا وتأملنا في الدماغ، رأينا أنه يحتوي على أجزاء من الأحاسيس والمشاعر والصفات، موزعة في مقدمة الرأس اي الجبهة او الناصية وفي مؤخرة الرأس وجانبيه. فكل حس أو شعور او صفة تصدر من مكان معين في الدماغ. وهذه الأحاسيس والمشاعر والصفات بعضها تبث كرسائل أو أوامر تنفذها الحواس الخمس وهي موضحة في الرسم التالي إستنادا الى كتاب The Oxford Companion To The Mind, By Richard L. Gregor


وبعد أن تعرفنا على الأقسام المختلفة في الدماغ والتي تبث منها رسائل عديدة، لا يسعنا إلى أن نفكر في إبداع الخالق جل وعلى في خلقه. فكل فكر أو فعل يصدر من تلافيف المخ بشكل مرتب ومنظم. والآن لنتعرف على عملية التفكير عند الإنسان.

2 - عملية التفكير: العملية الفكرية Mental Processing
تتبع طريقة الحفظ في التدريس في الوطن العربي كأسلوب تقليدي توارثته أجيال المدارس. وهذه الطريقة هي طريقة غير علمية لأن الطفل بذلك لا يتعلم كيف يتذكر مادة الدراسة من خلال إستخدامه لعملية التفكير بل يعتاد حفظ المادة دون فهم أو إدراك لما يتعلمه.

والعملية الفكرية تكون من خلال العقل الواعي Conscious وتمر بمراحل الإدراك Perception ثم ربط الأفكار ذهنيا Association، ثم التقييم Evaluation، ثم إتخاذ القرار Decision.

ومثال على ذلك مواجهة المرء لموقف ما يتطلب منه أن يتخذ قرار، لكي يصل الى النتيجة المرجوة، مستخدما بذلك العملية الفكرية Mental Processing.

ويتحدث لويس تايس والذي سوف نذكر المزيد من أفكاره فيما بعد، فيقول:
"عندما يدرك المرء شيء ما من خلال المعطيات التي يأخذها عن طريق الحواس، تكون هذه المعطيات او المعلومات مخزونة في بنك المعلومات (Perception).

بعد إدراكه للمعطيات أو المعلومات، يربط الموقف بموقف آخر مشابه واجهه في السابق ويكون مخزونا في بنك المعلومات في دماغه ليسترجعه من الذاكرة. وهو أثناء ذلك يتسائل هل سمعت أو رأيت شيء ما مشابه لهذا من قبل، من خلال تجربة سابقة؟ (Association)".

بعد أن يربط ذهنيا ما أدركه (سمع، رأى، شم، ذاق، لمس) يقيّم هذا الإدراك ويقارنه بالمعلومات المخزنة في بنك المعلومات في دماغه والتي مر بها سابقا.

من خلال سؤاله لنفسه:
"إلى ماذا يوجهني هذا الأمر؟"
"هل يوجهني الى النتيجة التي أريدها؟"
"هل هذه النتيجة هي ما كنت أتوقع؟"

(Evaluation)

يحدد بعد ذلك، بناء على إحتياجاته وأهدافه الفورية، معظم القرارات الواعية التي يتم إتخاذها. وهي لا تكون إستنادا الى ما يحصل له في الوقت الحاضر بل في الأكثر إلى ما قد حصل له في الماضي
(Decision)

إن القرارات التي نتخذها ليست أكثر دقة من المعلومات التي تستند إليها هذه القرارات.
Our decisions are not any more accurate than the information on which they are based.....

إذا نظرنا الى العملية العقلية أو عملية التفكير نقول أن الدماغ هو تنظيم لعملية التفكير. فمثلا عند التفكير أول ما يقوم به العقل هو التالي:
- التنظيم (وضع النقاط بتسلسل)
- التحكم (التشغيل)
- الإتصال (ادخال)
- إعطاء نتيجة (إخراج)

إن العواطف والخيالات المختزنة في الذاكرة تقوم بإتخاذ القرار من خلال عملية التحليل التي تتم بواسطة إستخدام الكلمات وتوقع النتيجة.
(Association, Perception Derived from Past Experience)

وذلك يتم بنفس الطريقة تقريبا التي يتم إستخراج عمل ما ينفذ من خلال إعطاء أوامر معينة للكمبيوتر.

2) الذكاء الصناعي Artificial Intelligence (AI)

إذا رجعنا الى قاموس المصطلحات الفنية للكمبيوتر )دار الراتب الجامعية)، نرى أن الذكاء الصناعي يعرّف على أنه "تطور علمي أصبح من الممكن بموجبه جعل آلة تقوم بأعمال تقع ضمن نطاق الذكاء البشري كآلات التعليم والمنطق والتحليل الذاتي والبرمجة الذاتية".

وهو فرع من علوم الكمبيوتر يعنى بإمكانية الكمبيوتر للقيام بمهام على نفس الطريقة التي يقوم بها العقل البشري.

والذكاء الصناعي عُرّف ايضا على أنه "قدرة الكمبيوتر على صنع القرارات وبناء النتائج".

أما الذكاء البشري وكما يعرّفه قاموس ويبسر (Webster’s Dictionary, 1988) هو القدرة على التعلم أو الفهم أو التكيف مع أوضاع جديدة.

إن الذكاء الصناعي أسرع ولكن الذكاء البشري يستطيع حل مشاكل معقدة وليست مبرمجة ومتشعبة مسبقة لأكثر من قضية في آن واحد.

إن الإنسان يستخدم أدوات خمس في هذه الحياة وهذه الأدوات ليست سوى الحواس الخمس التي أنعم بها الله على الإنسان يستخدمها في تفكيره، في قراراته وفي تنفيذه لهذه القرارات أو الأوامر.

فهو يستخدم إحدى هذه الحواس الخمس عندما يقوم بأي مهمة أو عمل، فمثلا إذا كان يجلس على مقعد وأراد أخذ كتاب من إحدى رفوف المكتبة التي هي بجوار مقعده فعليه أولا أن يستخدم حاسة النظر وهو يفكر بالطريقة التي سيأتي بها بالكتاب "يقوم بعدها ببعض الحسابات مستعينا المعلومات التي وصلته عن طريق حواسه وبإستخدام بعض المعلومات المختزنة في عقله من تجاربه السابقة لتحديد مكان الكتاب على رف المكتبة، يقوم بتحديد مكان المقعد الذي سيعود ويجلس عليه".

إن مخ الإنسان يفكّر ويقوم المخيخ بتقسيم العمل الى أعمال صغيرة. وهو بذلك مثل الكمبيوتر الذي يتبع سلسلة من التعليمات تهدف الى حل مسألة معينة وينسّق العملية من خلال المنطق.

"يقوم الإنسان بترجمة هذه الحسابات على شكل أوامر إلى أعضاء الحركة (الذراع في هذه الحالة) حتى يتم التنفيذ". وهكذا يمسك بالكتاب، يأخذه ثم يجلس على الكرسي. فالإنسان يستخدم "وسائل اتصال أو إدخال مع العالم الخارجي وهي جميع الحواس. ولديه ايضا وسائل تنفيذ او إخراج وهي عضلات الجسم أو الصوت".



قد يكون هناك ضرورة لتعليم الأمهات أساليب إستخدام الكمبيوتر لمواكبة التطور ولأننا لن نستطيع أن نثقف أطفالنا بوسائل التكنولوجيا إلا إذا ثقفنا إمهات أطفالنا أولا. كذلك، بمعرفتهن البسيطة عن الذكاء الصناعي، من الممكن أن يساهم ذلك في إستيعابهن كيفية عمل الدماغ البشري والإستفادة من ذلك في تربية الجيل الجديد بوعي وإدراك أكثر.

كما أن فهم عملية المعالجة في الكمبيوتر قد تعلّم الأم بأن طفلها يستطيع أن يستخرج أو يسلك سلوك حسنا وإيجابيا (إخراج Output ) نتيجة تفكيره تفكيرا إيجابيا (إدخال Input). وهذا ما سيتطرق إليه هذا الكتاب بطريقة موسعة فيما بعد.

العلاقة بين العقل والجسد:

إستطاعت تكنولوجيا اليوم أن تفهما كيف يعمل دماغنا... الرسائل المرسلة من الدماغ الى الجسد وتحويلها من المشاعر الى التصرف. هذه الرسائل هي كشحنات الكهرباء التي تبث الصورة والصوت عبر جهاز التلفاز وهي كالحاسب الآلي التي بعد إدخال البيانات يساعد على إستخراج نتيجة معينة لتلك البيانات.

عند التأمل في عملية التفكير والسلوك، هناك نظرية تقول بأن عقل الكمبيوتر يعمل مع عقل الإنسان. وصحة هذا هو أن مخترعي هذا الجهاز لم تخطر لهم الفكرة بإختراعه إلى بعد التأمل بعملية التفكير لدى الإنسان والخطوات التي يتبعها الإنسان عند إتخاذه لقرار ما ووصوله الى نتيجة يريد الوصول إليها.

4  نظرية نحن نستخرج المعلومات على حسب إدخالنا لها

لقد إستطاع الإنسان ومنذ سنوات قليلة أن يخترع جهاز الكمبيوتر، وليس هذا الجهاز إلى عبارة عن آلة تحتوي على معلومات مختزنة يتم إدخالها في الذاكرة وتستخرج هذه المعلومات بطرق مختلفة، فيتم بذلك تحليلها وتنسيقها وإعدادها على حسب طلب المستخدم.

إن الإنسان الضعيف الذي خلقه المولى سبحانه وتعالى إستطاع أن يبتكر جهاز الكمبيوتر الذي يمكن إستخدامه في التخطيط والتدبير والتنسيق فكانت له أهمية عظمى في شتى المجالات. نرى الكمبيوتر اليوم وقد إستخدم في الطب والهندسة وفي الأمور العسكرية والإدارية والتعليمية فكيف بإستخدام الدماغ وأهميته في الخيار والتفكير في صنع القرارات والأهم من ذلك في إستخدامه العاطفة والمشاعر والأحاسيس بطريقة إيجابية. لو أن الإنسان يدرك كامل الإدراك لما للعقل البشري من أهمية لتفرغ كل التفرغ لدراسته وتحليل إمكانياته وطاقاته الهائلة، ولكان سير حياته كلها على أساس إستخدامه خير إستخدام.

كل شيء يستخرج على أساس ونتيجة ما يتم إدخاله Garbage In – Garbage Out وقد أخذ كثير من العلماء والدارسين ومنهم (لويس تايس) والذي ذكرناه سابقا، هذه النظرية من طريقة عمل الكمبيوتر أي "البرمجة". وقد يساعد الشرح التالي القارىء على فهم كيف يعمل العقل الواعي والعقل الباطني.

إن عقلنا يعمل مثل الكمبيوتر بالنسبة الى أي معلومات نستوعبها، فإذا حصل وكانت هذه المعلومات التي ندخلها الى عقلنا غير صحيحة، قام عقلنا الباطني بتخزينها على هذا الأساس وبالتالي يستخرجها عقلنا الواعي كما ادخلت على أنها غير صحيحة. ذلك، لأن العقل الباطني هو عقل غير منطقي، وهو لا يقوم بتقييم هذه المعلومات التي تم إدخالها، ولكن... إذا تم إدخال نفس هذه المعلومات بالعقل الباطني على أنها صحيحة، قام العقل الواعي لإستخراجها على نفس الأساس أيضا، أي على أساس أنها معلومات صحيحة ولكي تفهم هذه النظرية وتوضح أكثر يمكننا أن نأخذ المثال عن المعلم والمحاضر (لويس تايس) في كتابه
A Better World, a better you.

"إذا قمنا بإدخال هذه المعادلة البسيطة في الكمبيوتر على أن 2x 4 = 9، سوف نحصل على نفس الإجابة عندما نقوم بإستخراج هذه المعلومة، حتى لو كانت الإجابة خاطئة، ذلك أن الإدخال الخاطى يستتبع الإخراج الخاطىء، كذلك عندما نقوم بتسجيل مواصفات غير صحيحة أو نكون أفكار سلبية نحو أنفسنا، بالنسبة لإمكاناتنا وطاقاتنا، نكون بذلك قد كوّنا نظرة عدم الثقة وضعف في النفس. وبالتالي، نتصرف بطريقة تنطبق تماما لتلك الصورة التي صورنا بها أنفسنا. ذلك لسبب واحد وهو إعتقادنا بأن تلك الصورة هي الصورة الحقيقية عن أنفسنا.

هذه "الحقيقة" هي ليست إلا ما تراه عين الفرد، وليست الحقيقة كما هي. فنحن بتخزيننا للمعلومات والتجارب، نقوم بتخزين شعورنا نحوها أيضا. لهذا غالبا ما تكون هذه الحقيقة كما نراها غير صحيحة وغير دقيقة ولا تخلو من تعصب بالنسبة الى ما هي عليه بالفعل. كما أنه غالبا ما نخطىء في رؤيتنا وتقييمنا للإمكانيات والطاقات الموجودة لدينا. وعلى أي حال، أي تصوير لتصرفاتنا وأفكارنا سواء كانت للخير أو للشر، نتمسك به ويصبح من المحال تغييره إلا إذا تمّ التغيير عن طريق العقل الواعي.

لذلك، نستطيع القول بأن عملية تفكير الإنسان تتم من خلال إستخراج ما ادخل من أفكار على شكل سلوك معين. ولا يكون إتّباع الإنسان بسلوك إيجابي إلا إذا أدخل في فكره أفكار إيجابية. وذلك مثل عملية برنامج الكمبيوتر الذي لا يظهر نتيجة صحيحة إلا إذا كان البرنامج الذي تم إدخاله فيه صحيحا. والإستخراج الخاطىء للنتائج ما هو إلا بسبب إدخال بيانات خاطئة Garbage In Garbage Out.

5 - العقل الباطني أو اللاشعور... عقل غير منطقي / لا يعي:

هنالك أمثلة كثيرة تعكس تأثير العقل الباطني أو اللاشعور Subconscious على السلوك الذي يطبّع به المرء من نتيجة إدخال معلومات غير صحيحة في العقل الواعي أو الشعور.

هنالك الفتاة التي شبّت على الخوف من القطط ذلك لأنها عندما كانت صغيرة، كانت المربية تخيفها بمجيء القطة والهجوم عليها إذا هي لم تأكل. عندما شبّت هذه الفتاة شبّت معها فكرة الخوف من القطط. ذلك لأنها آمنت بأن القطة تستطيع إيذائها. وانطبعت صورة القطة ومخالبها في مخيلتها أي في عقلها الباطني أو اللاشعور. هذا العقل غير المنطقي لا يعلل لها بأنها أكبر حجما من القطة وبأنها لن تؤذيها إلا إذا آذتها هي أولا. لذلك، يتغلب العقل الباطني (العقل اللامنطقي) على العقل الواعي (العقل المنطقي) دائما فلا يستطاع بأي شكل من الأشكال تغيير تلك الصورة المطبوعة في الذهن، إلا بالعمل والجهد على تأثير العقل الواعي على العقل الباطني أو بواسطة اللجوء الى محلل نفساني أحيانا. وذلك يحتاج الى الكثير من الصبر والمحاولة لإقناع تلك الفتاة بأن القطة حيوان أليف لا تؤذي من خلال مساعدة الفتاة بأن تقترب من القطة وتداعب فروتها، حينئذ فقط وبعد التأكد من تلك الحقيقة بنفسها يُمكن للصورة والحقيقة السابقة التي إنطبعت في عقلها الباطني أن تتغير وبالتالي ينعكس ذلك على عقلها الواعي ومن ثمّ على سلوكها وشعورها نحو القطة.


وفي ذلك، قول مشهور في الغرب يقال عند تحليل تصرف الفرد, بأن "الفكرة دائما موجودة خلف العقل" “It is in the back of the mind” أي كل إنفعال أو ردة فعل ليست إلا نتيجة مثبتة في الجزء الخلفي للعقل أي في العقل الباطني أو اللاشعور.

كذلك، هنالك قول "إن كنت تعلم ما لا تريد، ركّز في التفكير على الشيء الذي تريده" لكي تتجنب الشيء الذي لا تريده والذي من الممكن أي يقع نتيجة تفكيرك به. فبالنسبة للعقل الباطني، إتباع ما تُفكر به ووضعه في ذهنك، يكون أكثر أهمية له من إتباع الشيء الأفضل أو الأصلح لك. لذلك، على المرء أن يحاور نفسه دائما ويحادثها بالشيء الذي يريده والهدف الذي يريد أن يحققه. فلو ركّزت تلك الفتاة على الشيء أو الهدف الذي تريده (في عقلها الواعي) وهو الشجاعة أو الجرأة للتقرب من القطة، كان لهذا الهدف أن يسيطر على الخوف وعلى فكرة الهروب منها (الفكرة الموجودة في العقل الباطني).

وهنالك الشاب الذي يأبى أن يتعلم السباحة ويكون قد تجاوز العشرين من العمر ولا يزال يخاف أن يسبح في البحرأو في بركة السباحة. ذلك لأنه في صغره حاول أحد الفتيان المزاح معه ورماه في إحدى برك السباحة عن عمد وكان حينئذ يصيح بهلع وخوف شديد. هذا الشاب يشبّ وهو كاره السباحة أو حتى الإقتراب من شاطىء البحر. ذلك لأن صورة الخوف من المياه قد إنطبعت في عقله الباطني منذ ذلك الحين. ولا يمكن لهذا الشاب أن يتعلم السباحة من دون بذل الجهد الكافي ليقنع نفسه. وذلك من خلال التأكيد الإيجابي Affirmations أي تكرار بعض الجمل الإيجابية لنفسه والذي سيساعده في أن يحوّل مصدر التصرف والسلوك الى العقل الواعي Conscious بدلا من العقل الباطني Subconscious مثل قوله: "إنني أستطيع تعلم السباحة لأنني أحب أن أشترك في سباق السباحة". إنني أستطيع تعلم السباحة كأي شخص". "أنا لا أخاف من المياه وخلال أسابيع سأستطيع السباحة والغوص في مياه عميقة" وبالمحاولة الجادة وبتكرار هذا القول لنفسه عدة مرات يوميا، يستطيع تغيير الصورة السابقة في ذهنه. وبذلك يتمكن هذا الشاب من تحقيق الهدف الذي نصبه لنفسه. وإن وجدت هناك رغبة صادقة وجامحة للمشاركة في سباق السباحة، هذه الرغبة المختزنة بشعور الحماس واللهفة تجعله يبذل المستحيل من أجل الوصور الى الهدف، أي هدف تعلم السباحة وبالتالي يستطيع أن يغير تلك الصورة السابقة المنطبعة في ذهنه أي في عقله الباطني فيتغلب على ذلك الخوف من المياه الذي كان مسيطرا عليه. بعد تلك المحاولة إن فشل في أن يساعد نفسه، عليه أن يحصل على مساعدة صديق أو حتى طبيب نفسي لكي يساعده على تغيير تلك الصورة المنطبعة في عقله الباطني منذ الصغر من خلال إقناعه بأن تعلم السباحة أمر سهل ورياضة ممتعة يستطيع أي إنسان أن يتقنها ويمارسها.

وإذا قلنا أن البرمجة هي إعطاء مجموعة من الأوامر الى الكمبيوتر لكي يقوم بعملية التنفيذ. ونرى هذه الكلمة "البرمجة" تُستخدم اليوم للتعبير عن فكر الشخص يكون قد تأثر بطريقة معينة، فنقول أنه تبرمج على هذا النحو أو أحيانا نستخدم كلمة غُسل دماغه أي تأثر بتفكير غيره فأصبح يتصرف على أساس ذلك التفكير.

قد نلاحظ أن هنالك الكثير من الكلمات التي تلفظ والعبارات التي نسمع تُستخدم في تشغيل الكمبيوتر والتي تُعبر كذلك عن عملية التفكير نذكر بعض هذه الكلمات باللغة الإنجليزية في نهاية هذا الفصل كمصطلحات مستخدمة في علم الكمبيوتر وفي الحياة العملية. وهنا تأتي فكرة "والعلم عند الله" وكأن الإنسان مسيّر في كونه يصيبه ما أراد الله له أن يصيبه، أي بقضاء الله وقدره. فيكون الإنسان بذلك "مبرمج" الى أي يحصل له ما أراد الله. وفي نفس الوقت يكون ذلك الإنسان مخيرا في كونه يملك الحرية في الإختيار أحيانا أي في أن يُبرمج عقله على ما يشتهي. فيكون بذلك "غير مبرمج" وبمعنى آخر لديه الخيار في أن يفكر وبالتالي أي تصرف على أساس ما يُفكر به. فليس التصرف أو السلوك إلا نتيجة تفكير المرء بفعل ما يريد أن يقوم به. ولكن بالتأكيد هو كطفل مسير بخيار والديه لأنهما هما اللذان يتحكمان في نوعية الأفكار التي يريدان له أن يتأثر بها. وهو في نفس الوقت مخير فقط عند سن البلوغ ووصول مرحلة النضوج عندما يكون على إدراك ووعي بقدراته على التحكم في نوعية الأفكار وبالتالي الأفعال التي يريد أن يقوم بها. وهو بذلك يستطيع أن يتحكم في بلورة سلوكه بنفسه.



كما أن من الملاحظ أن المرء يصادق من يكون في سلوك شبيه بسلوكه. وكأن هناك تشابه في برنامج العقل الباطني لديهم. وكما يقول المثل "إن الطيور على أشكالها تقع".

إن الحواس والعواطف والأفكار المختزنة تعمل منذ الولادة وتسجل يوميا في العقل الباطني تجارب أطفالنا في مواقف معينة في هذه الحياة. ويكون تأثير تجربة ما، في موقف ما على النفس مبنى على أساس التصوّر الخيالي لهذه التجربة، إما أن يكون بمنظار سلبي أو إيجابي، إلى جانب الصورة السلبية أو الإيجابية، تكون أيضا هذه التجربة مبنية على أساس ردة فعل العاطفة لدى المرء أي أحاسيسه وشعوره نحو تلك التجربة. ونتيجة لذلك يتكون سلوكه في أي موقف مشابه لذلك الموقف الذي قد يتعرض له في المستقبل. فالصورة المنطبعة في الذهن والشعور من جراء تجارب سابقة سواء كان خوف أو حزن أو فرح نتيجة أوامر تعطى من الجهاز العصبي تحدد موقفا ثابتا لدى المرء. هذا الموقف يتكرر ويعيد نفسه في المستقبل.

شبّه "لويس تايس" العقل الباطني عند ولادة المرء وكأنه قطعة قماش بيضاء لكون الذاكرة خالية من أي تجربة. وعندما يواجه الطفل موقفا أو تجربا ما في هذه الحياة، كأنه بهذا يلوّن بالفرشاة صورة من الواقع ندعوها "الحقيقة" التي تنطبع في الذهن ويكون كل لون وكأنه أمر يصدره العقل الباطني أو اللاشعور لكي ينفذه العقل الواعي أو الشعور من دون الرجوع الى وجود أي منطق في ذلك الأمر.


6- العقل الواعي أو الشعور هو تصرف وإنعكاس للعقل الباطني أو اللاشعور، ينفذ أوامره:

يعمل العقل البشري بقسميه... الواعي والباطني وكلاهما مرتبطان ببعضهما... فكما أن العقل الواعي يعتمد على العقل الباطني، ينفذ أوامه من دون التدقيق في صحة أو منطق هذا الأمر، كذلك فإن العقل الباطني يعتمد على العقل الواعي، يسجل ويُخزّن في الذاكرة التجارب المحزنة والمفرحة التي يواجهها المرء في الحياة. ولكل منهما مزايا وقوى وتأثيرمختلف.

اللاشعور/ العقل الباطني:
اللاواقع (الذاكرة / التخيل / الأفكار).
ويكون من خلال ما نسمعه من العالم من حولنا (الأشخاص / أجهزة الإعلام).
- من تجاربنا (الحسنة أو السيئة) (الذاكرة).
- من الخيال (تصور الأمور الحسنة والسيئة) (التخيل).
- مما نحدث به أنفسنا (الأفكار).

الشعور / العقل الواعي:
هو الواقع (الإدراك / ترابط الأفكار / التقييم / إتخاذ القرار أو التصرف).
- يعمل نتيجة العقل الواعي.
- يتصرف نتيجة الإعتقاد والإيمان بالواقع والحقيقة.
- يكون التصرف والسلوك على أساس هذا الواقع.



ومراجعة لما ذكرنا سابقا في بداية الفصل عن عملية التفكير Mental Process ، فالعقل البشري الواعي يعمل على أساس الحواس الخمس ويرى العالم من حوله بشكل واقعي وإذا أردنا أن نتصور كيف يفكر الطفل عند تنفيذه لأي تصرف أو سلوك لا بد أن نتعرف على عمل العقل الباطني والعقل الواعي.

العقل الباطني / اللاشعور:

يتكون العقل اللاواعي من ثلال أجزء وهي: الذاكرة / التخيل / الأفكار. إن الذاكرة تجعل طفلك يتصرف بالطريقة التي يرى بها نفسه. وهذه الذاكرة أو الحقيقة والتي كوّنها عن نفسه هي صورة مبنية على الخيال المسيطر عليه كما سجلها من خلال تفسيره للعالم الذي من حوله. ولكن يحافظ على المنطق، يجب أن يتصرف تماما كما تملي عليه صورة العقل الباطني لحقيقة نفسه. مثلا على ذلك عندما يرى الطفل نفسه أنه لا يستطيع أن يتقدم نحو رفاقه وأن يطلب منهم مشاركته باللعب معهم يعمل عقله الباطني على أن يشعر تماما كما صور به نفسه، فيدفعه ليشعر بالعصبية والخوف أثناء تقدمه لفعل ذلك. هذا، لأن عقله الباطني يجعله يتصرف بطريقة متواصلة، تماما كالصورة التي إنطبعت في ذهنه أي في ذاكرته، أي الصورة السلبية، بأنه لا يستطيع أن يتقدم نحو رفاقه ويطلب منهم مشاركته باللعب معهم.

ولكنه لو تصور عكس ذلك الأمر أي إنطبعت بذهنه الصورة الإيجابية في عقله الباطني، لكانت النتيجة مختلفة تماما، ولكانت ثقته بنفسه إزدادت وإستطاع أن يخطو نحو رفاقه بإيمان وبثقه. لذلك هناك أهمية كبرى للفرد بالإيمان القوى والثقة وبالنفس من دون أي شك أو تردد وضرورة طرد أي فكرة سلبية تجعله يتردد في القيام بعمل ما.

فالطفل يقوم بتخزين وتسجيل نظرته الى الوقع كآلة التسجيل أو كجهاز كمبيوتر. ويعمل على تخزين المعلومات بواسطة تغيير كيميائي في بنيان
البروتين في مركز خلايا الأعصاب بداخل الدماغ.

وقد تختل العملية الفكرية عند الإنسان في الكبر بما فيها من الخطوات الموضحة في عملية التفكير المذكورة سابقا. ذلك نتيجة لتلف في الخلايا أو ما يسمى بمرض الشيخوخة وهو مرض عضوي يصيب كبار السن. فعندما يكبر المرء ويشيخ ويصل الى مرحلة الشيخوخة، ينسى بعض المواقف والحوادث التي يمر بها يوميا. فتسترجع ذاكرته صور وذكريات من الماضي فهو يذكر المواقف والحوادث التي مر بها في الماضي أكثر من المواقف والحوادث التي مر بها من شهور أو أيام قليلة. لذلك، يلاحظ أن الشيوخ ينحصر تفكيرهم وذكرهم للماضي البعيد بينما يكون إهتمام الاطفال في الوقت الحاضر فقط.

وقد استطاع العلم الحديث أن يتوصل لحل مشكلة النسيان لدى كبار السن بواسطة طريقة زرع رقائق Chips في المخ من أجل تقوية الذاكرة. وكما ذكرنا سابقا أن جهاز الحاسب الآلي قد صمم بناءً على طريقة التفكير البشري. فالرقائق الموجودة في الكمبيوتر هي فكرة هذا العقل الألكتروني. وبالرجوع الى شرح "لويس تايس" لعملية التفكير التي تتم من خلال العقل الواعي، نرى مثلا أن الطفل عندما يواجه موقف ما، يمر تفكيره بالخطوات التالية:

العقل الواعي / الشعور:
- الإدراك: يدرك الطفل أو الإنسان ما حوله بواسطة الحواس الخمس ويجمع معلومات على أساس ما يراه بواقعية ولكن يكون إدراكه للأمور بشكر غير واقعي وغير صحيح.
- ترابط الأفكار: كل ما يدرك الطفل هو حصيلة تجاربه، وبذلك يتكون لديه بنك من المعلومات المخزونة في عقله الباطني أو اللاواعي. فكل مشهد جديد يراه أو موقف يواجهه في حياته اليومية... يتبادر الى ذهنه سؤال...
هل رأيت شيئا مثل هذا من قبل أو واجهت موقفا كهذا من قبل؟
ويكون ذلك مبنيا على ما هو مخزّن في الذاكرة من إدراك وحس وشعور في العقل الباطني أو اللاواعي.
- التقييم: يكون التقييم لدى الطفل بعد ربط ما يرى أو يواجهه، راجع الى رؤيته أو نظرته الشخصية اليه. ويقوم بالتقييم ثم يقوم بإضافة شيء جديد الى تلك المعلومات المخزّنة.
- إتخاذ القرار / التصرف: يكون قرار الطفل مبنيا على فعل أو ردة فعل على أساس إحتياجه وأهدافه. وعلى أساس قراره يقوم بالعمل بنفسه للحصول على تلك الإحتياجات أو الوصول الى تلك الأهداف. أو يوكّل أحدا للقيام بهذا العمل أو يهمل ويؤجل هذا القرار.





6- عقل الطفل كمبيوتر بشري، فلنحسن برمجته:

برمجة العقل قبل النوم:

عندما يفكر المرء بأي عمل يريد أن يقوم به قبل النوم، ليس ذلك إلا نوع من برمجة العقل اللاواعي (الباطني) لكي يعمل عقله الواعي على تنفيذه في الصباح. مثالا على ذلك، إذا كان لديك موعد مهم في ساعة مبكرة من الصباح وترتب عليك أن تنهض باكرا من أجل هذا الموعد، وإذا فكرت قبل النوم بقليل بضرورة إستيقاظك في الساعة السادسة مثلا، سوف يقوم عقلك اللاواعي بإيقاظك في تلك الساعة المبكرة لكي تلحق بالموعد. والغريب في هذا ليس إستيقاظك باكرا، ولكن إستيقاظك في الساعة السادسة تماما وكأن هناك ساعة إنذار توقظك في الوقت الذي تريده.

في مقابلة مع الدكتور خيري السمرة، إستاذ جراحة المخ والأعصاب وعميد كلية الطب في القصر العيني أجرته إحدى المجلات العربية قال: "ذكر 75% من العلماء في العالم، إن مكتشفاتهم الخطيرة إو إختراعاتهم العظيمة خرجت للوجود العملي في غير ساعات إنكبابهم على البحث العلمي". أي في الساعات التي لا يعمل بها العقل الواعي، ليقوم العقل اللاواعي بالعمل عوضا عنه.

وينبه الدكتور خيري السمرة تعليقا على ذلك قائلا: "ما ذ ُكر تحديدا هو أن العقل الباطني في قمة نشاطه وعمله. ويغتنم فرصة السرحان والشرود والإسترخاء في العقل الوعي لكي يعمل ويؤدي وظيفته. وللعلم، العقل الباطني يستطيع أن يفكر تفكيرا حكيما وسليما فيما يهمنا من أمور وما يشغلنا من شئون. وفي إمكانه أيضا أن يحل أعقد مشكلاتنا وهو يستعين – حين يعالج شئوننا – بقدر من الحكمة والتجربة، يفوق كثيرا ما يتاح منها للعقل الواعي"!!

برمجة العادات:

أما بالنسبة الى العادات التي تتأصل فينا فهي نتيجة عملية التكرار التي نقوم بها. "إن كل عادة تبدأ عند الشعور الحسي أو الواعي، ثم عن طريق تكرارها عدة مرات، تنتقل الى الشعور اللاحسي أو اللاواعي وتصبح عادات متأصلة لدينا. وهذه العادات تتمسك بنا بطريقة سريعة ومن دون أن نشعر بها ذلك لأننا نقوم بالتصرف بإنطلاق سريع من دون التفكير بهذه التصرفات وتقييمها".

لذلك على الأسرة أن تهتم في غرز العادات السليمة عند الطفل وتعليمه كيف يتخذ القرارات في شؤونه الصغيرة والإعتماد في ذلك على نفسه وإكتفاء الوالدين بأداء دور التوجيه والإرشاد فقط. ومن المعروف أن غريزة حب الإستطلاع والإستكشاف لكل ما يحيط بعالمه الصغير تنشأ عند الطفل في سنواته الأولى. وهنا تكمن أهمية إفساح المجال أمامه لإبداء آرائه في كل ما هو حوله. كذلك تشجيعه الدائم على إبداء آرائه في كل ما هو حوله. كذلك تشجيعه الدائم على عادة إتخاذ القرارات من دون الإتكال على الغير، خصوصا في مجال شؤونه الصغيرة. مثالا على ذلك، عندما تصطحب الأم طفلها الى السوق لشراء بعض الحاجيات أو الثياب له، عليها أن تشركه في عملية إختيار ملابسه لكي يُشعر الطفل بالمسؤولية وعدم الإتكال الكامل على الوالدين بوجه عام. فإختيار اللون الذي يحبه ينمي حاسة الذوق لديه وينّمي إرادته بالتالي. وبذلك يستطيع من خلال تجربة صغيرة كهذه أن يتعلم حسن الإختيار ويعتاد أن يتحمل مسؤولية القرار الذي يتخذه عندما يشِّب ويواجه مشاكل الحياة اليومية التي تتطلب منه إتخاذ قرارات صعبة.

يقول "لويس تايس": "تكون تصرفاتنا المبنية على عادات ليس إلا عاملا مساعدا لنا للقيام بالأعمال والتصرف على الوجه الصحيح. ولكن، تكون بعض العادات المخزّنة في العقل الباطني أو اللاشعور بمثابة حواجز تمنع حاجتنا للتغيير والتأقلم مع المواقف والتجارب التي قد نواجهها. وقد يصل هذا الى الحد الذي يجعلنا نتصرف ونفكر على حسب البرنامج والعادات التي سيطرت على تفكيرنا. وبهذا تكون تصرفاتنا تجاه المواقف والتحديات التي نواجهها في الحاضر على أساس تصرفاتنا تجاهها سابقا. ذلك، نتيجة العادة التي تتمكن من حكمتنا للأمور وتقييمنا لكل موقف على جدة من الرجوع الى التصرف حسبما إعتدنا عليه. وهنا يكون السؤال: لماذا نشعر بالضيق والقلق عندما نقوم بعمل شيء جديد لم يسبق أن قمنا به"؟ وهذا ما يبينه لنا "لويس تايس" أيضا فيقول: "إن العادات، التصرفات والآراء القديمة لدينا هي سبب أساسي لفشلنا في التأقلم عند مواجهتنا لمواقف جديدة وفي نضجنا كأفراد سواء كان على أساس شخصي أو ثقافي".



وكذلك مع الطفل، على الأسرة أن تعي أن العادات السيئة والسلبية التي يتبعها الطفل والتصرفات السلبية التي إعتاد عليها تكون بمثابة حاجز وعائق لإمكانيات الطفل لتقبل أي تغيير أو تقدم أو نضج. ويكون هذا عامل فعال لوقف وتجميد التطوير عنده وإعاقة لإستغلال طاقته وإمكانياته عندما يشب رجلا. لهذا كان التفكير الإيجابي هو الطريق الوحيد والسهل والذي به نستطيع أن نغيّر عادات وتصرفات أطفالنا السلبية التي تعيق إمكانياتهم وقدراتهم. وسوف نعرف "التفكير الإيجابي" في هذا الكتاب، وكيف يمكن للأم أن تساهم في برمجة عقل طفلها، عقل الكمبيوتر البشري، بطريقة إيجابية.

7 – الكمبيوتر يعلم طفلك طريقة التفكير:

يقول فيكوتسكي Vygotsky مؤلف كتاب الفكر واللغة "إن المحادثة الخفية للنفس تتطور عندما يتعلم الطفل إستخدام اللغة، في البداية ليفكر بصوت عالٍ ومن ثم يعلل مستخدما دماغه" والمعروف أن أكثر ما يظهر ذلك هو بين سن سنتين الى خمس سنوات.

إن الأطفال الذي يعتادون على إستخدام المحادثة للنفس، هم أكثر قدرة على تذكر المعلومات والمواقف. كما أنهم أكثر قدرة على حل المسائل وذلك لأنهم يحادثون أنفسهم خلال تفكيرهم بالخطوات التي سيتبعون، يسألون أسئلة يحللون البدائل alternatives (الخيار بين أمرين) ويتوقعون النتائج.

لذلك كان لإستخدام البرامج التعليمية فائدة كبيرة لكونها تشجع وتدرب الأطفال على ذلك.

8 - الطفل والبرمجة:

هناك فائدة كبيرة في تعليم الطفل عملية البرمجة، لأن البرمجة هي تتبع خطوات لعمل برنامج ما، وهي أولا تقسم المسألة المعروضة الى نقاط منطقية وأجزاء متسلسلة ومن ثم يتم إدخال البيانات في الجهاز. والطفل إذا إستطاع أن يفعل ذلك، إستطاع التعرف الى كيفية حل المسائل الحسابية الصعبة.

ويذكر كتاب (Engangered Minds, Jan Healy, 1990) بأن عالم النفس السويسري جان بياجيه Jean Piaget يفترض أن الأطفال يتعلمون من خلال بناء وإنشاء معلوماتهم الخاصة بهم Constructing their own knowledge عن طريق وجودهم في مكان غني يكتظ بالكثير من الفرص حيث يعالجون ببراعة الأشياء والأهداف لكي يحلون المشاكل.

و "من الناحية العملية التطويرية، ينظر المدرسين والمدرسات الى العد والقراءة والكتابة بنفس الطريقة التي ينظرون بها الى المشي والمحادثة، وهو على ثقة بأن الأطفال سيحصلون على النظريات الحديثة والمهارات حين يصبحوا جاهزين لذلك ما دامت الفرصة تعطى لهم لكي يمارسوا ويجربوا ضمن بيئة تمدّهم بالمساندة من دون فرض أي ضغوط عليهم".

أما بالنسبة للمواقف التي يواجهها المرء فنرى وكأن الدماغ مبرمج على أن يكرر نفس ردة الفعل في التصرف عند نفس الموقف وهذه هي الطريقة التي يتعلم بها المرء. فنحن لا ندرك بأن ما نتعلمه بالفعل هو خلق عادات وأفكار معينة وبالتالي خلق عادات تصرف وسلوك نتيجة لتلك الأفكار. ذلك، لأن الذي نتعلمه نخزنه في الذاكرة ويصبح عادة مكررة نسترجعها من الذاكرة على شكل تصرف وسلوك.

9 - الكمبيوتر يعلم طفلك القراءة:

إن الذاكرة تتطلب الجهد العقلي، ذلك لأنها تعتمد على حفظ المعلومات. وقد تكون الذاكرة قوية عند الأطفال الذين يتمتعون بالأدمغة التي تفكر تفكيرا إيجابيا على عكس الأدمغة السلبية أو المستسلمة التي تحتفظ بالأحسايس وليس بالمعلومات وهذا يساعد في تعلم فن القراءة.

إن الأطفال الذين لا يفهمون ما يرون، لا يستطيعون أن يحتفظوا بالمعلومات وتخزينها في الذاكرة النشطة. إن الأطفال بحاجة الى أن يتعلموا أن يفهموا ما يقرءون بدلا من أن يحفظوه. إن قراءة القصص على الأطفال تنمي الخيال الواسع لديهم، ولا شك أن الخيال البصري (المرئي) ذو فائدة أكبر لأنه يساعد على حل المسائل الحسابية ومسائل العلوم. ومن الممكن تطوير الخيال لدى الطفل وتعليمه القراءة عن طريق إستخدامه لبرامج الكمبيوتر التعليمية المختلفة.

كذلك يساهم جهاز الكمبيوتر في تشجيع الطفل على إستخدام اللغة وتطابق اللغة المستخدمة مع الأشياء المرئية. وذلك حين تعرف الطفل على بعض البرامج التعليمية المهيئة لسنوات الطفل المبكرة والتي تحتوي على كلمات وصور متجانسة. ولا شك أن الجهد العقلي الذي يبذله الطفل من خلال تلك البرامج التعليمية يساهم في تقوية أنسجة الدماغ.

وهناك عدة نشاطات من الممكن أن يقوم بها الأطفال، نذكر منها:
- حثهم على كتابة الشعر من خلال إثارة خيالهم.
- تصميم رسم بياني يظهر شجرة العائلة.
- نشر قصص يؤلفونها في كتاب.
- برمجة قصة من نسج خيالهم، يتكلمون فيها عن مغامراتهم مستخدمين لغة برنامج معين.
- رسم منظر معين يستهويهم أو يعبر عن مشاعرهم.
 

     
open all titles close all titles  

الكشافـــة

open / close tile

السياحة في السعودية

open / close tile

الأسرة وبرمجة التفكير الإيجابي

open / close tile

مهارة تعليم التعلم

open / close tile

موضوعات متعلقة

open / close tile
حقوق النشر محفوظة  -  Copyright  2008 RightToEducate. All Rights Reserved